لم يشك أحد من البشر أن الموت حق، ولا يوجد في هذه الدنيا من لا يعلم بأن مصير كل الناس يسير إلى أجلهم المحتوم الذي لا مفر منه ، سواء كان آجلا أم عاجلا، ولا يوجد أحد من بني البشر يدعي أنه يستطيع دفع الموت عنه حتى ولو دفع جميع ما يملك من أموال وعقار وممتلكات منقولة وغير منقولة ، ولا يمكن لأحد من الناس الإدعاء بأن الإنسان ينتهي في حال موته ، الكل يعتقد في داخله وإن لم يفصح عنه البعض علنا أمام الناس أن الحساب له يوم موعود في علم الله ، حتى الملحد الذي ينكر وجود الخالق يظهر الله على لسانه في بعض الأوقات العصيبة الحقيقة الإلهية الثابتة ، والشاك في هذه الحقيقة يجعل الناس تشك في سلامة عقله ، وقد يتهم في أحايين أخرى بالهذيان والجنون ، فالإنسان يكبر ويعمل ويكدح ويتزوج وينجب الأولاد والبنات ويختلف مع هذا ويصادق ذاك وقد يأكل أموال الناس بالباطل أحيانا ، وقد يغلب على طبعه غش الناس في القول والعمل أحيانا أخرى، وفي نهاية المطاف تختم حياة هذا الإنسان المؤمن الملتزم بالأوامر الإلهية أو ذلك الإنسان المتمرد على القيم الأخلاقية بالموت والفناء ، وتصبح حياتهما تاريخا يسرد على الألسن. إن كان الإنسان الذي رحل من هذه الدنيا الفانية مؤمنا ومحسنا صالحا سيتحدث الناس عن إيمانه و إحسانه وصلاحه، وإن كان الإنسان الذي أرتحل من هذه الدار الزائلة مسيئا في دنياه ، سيذكر بكل الأعمال المسيئة التي أقترفها طوال حياته ، الأول يبكون عليه ويأسفون على رحيله وفراقه ، ويدعون إليه بالمغفرة والرحمة ويرجون من الله أن يتغمده برحمته و يسكنه الفسيح من جنته ، والآخر سيقولون عنه في يوم رحيله ، ارتاحت الدنيا وأرتاح العباد من شره وأفعاله القبيحة ، ويدعون الله أن يسكنه الدار التي أختارها لنفسه . السؤال الذي يطرح نفسه ، إذا كان الإنسان يعرف هذه الحقيقة ، ويعلم أنه راحل من هذه الدنيا لا شك ولا ريب ، لماذا يعيش الغفلة ولا يحاول أن يفوق من غفلته رغم وضوح الرؤية ؟ ألم يعرف أن تغافله عن هذه الحقيقة الدامغة لا يبعد عنه مصيره ولا يقربه ؟ ألم يعرف أن الطغيان والجبروت والظلم كلها سبل للهلاك ؟ ألم يعرف أن التكبر على الآخرين جرم عظيم وقد يكون سببا لدخوله إلى النار والعياذ بالله ؟ ألم يعرف أن السقوط الأخلاقي بأنواعه المتعددة عار عليه في الدنيا وفي الآخرة ؟ كم من الناس بالأمس القريب كانوا بين أصحابهم يضحكون ويمرحون ويروحون ويجيئون ولم يخطر ببالهم أنهم راحلون عاجلا ومن دون مقدمات من هذه الدنيا ، وكم من البشر أصيب بمصيبة عظمى وطلب من ربه أن يخلصه منها وأخذ على نفسه العهود والمواثيق على أنه لن يعود إلى إرتكارب المعصية إذا ما خلصه ربه منها ومن تداعياتها ؟ ماذا حدث عندما خلصه الله من تلك المصيبة ؟ رجع إلى ما كان عليه إن لم يكن أشد من السابق، ما الذي يجعل الإنسان يتعامل في هذه الدنيا وكأنه مخلدا فيها ؟ أليس الجهل المركب والعياذ بالله ؟. هنيئا للإنسان الفطن الذي يعمل إلى تنمية رصيده الأخروي بأعماله الصالحة، ليس من الفطنة أن يعمل الإنسان على إحراج نفسه يوم يكشف المستور أمام رب الخلائق، ليس بالأمر السهل أن يقف الإنسان أمام كل البشر لينادى باسمه وسرد أفعاله المشينة التي أقترفها في هذه الدنيا الزائلة ، ولا نعتقد أن هناك أحدا من البشر يحترم عقله ويقدر كيانه الإنساني يختار لنفسه الانحدار والسقوط في ذلك اليوم العصيب ، لو وقفنا مع أنفسنا برهة من الزمن وحاسبناها حسابا صريحا وشفافا ، لما تجرأ أحد منا التعدي على حقوق غيره من البشر ، ولما سمحنا لأنفسنا أن نأكل في لحوم بعضنا البعض بالباطل ،ولما تعمدنا الكذب والإفتراء على أنفسنا ، ولما تفوهنا بأمور لا نعلمها ، ولما أعطينا لأنفسنا الحق ظلم أحد من الناس ، سواء أكان بالقول أو بالفعل أو بممارساتنا غير السوية. نسأل الله أن يحمينا من أنفسنا ، وأن لا يسلط علينا أنفسنا الأمارة بالسوء طرفة عين . سلمان سالم.